كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الجليل الجميل من العباد من حسنت صفاته الباطنة التي تستلذها القلوب البصيرة فأما جمال الظاهر فنازل القدر.
الكريم هو الذي إذا قدر عفا وإذا وعد وفي وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى وإذا جفي عاتب وما استقصى ولا يضيع من لاذ به والتجأ ويغنيه عن الوسائل والشفعاء فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلف فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط.
تنبيه:
هذه الخصال قد يتجمل العبد في اكتسابها ولكن في بعض الأمور ومع نوع من التكلف فلذلك قد يوصف بالكريم ولكنه ناقص بالإضافة إلى الكريم المطلق وكيف لا يوصف به العبد وقد قال رسول الله «لا تقولوا للعنب الكرم فإن الكرم هو الرجل المسلم» وقيل إنما وصف شجرة العنب بالكرم لأنه لطيف الشجرة طيب الثمرة سهل القطاف قريب المتناول سليم عن الشوك والأسباب المؤذية بخلاف النخل.
الرقيب هو العليم الحفيظ فمن راعى الشيء حتى لم يغفل عنه ولاحظه ملاحظة دائمة لازمة لزوما لو عرفه الممنوع عنه لما أقدم عليه سمي رقيبا فكأنه يرجع إلى العلم والحفظ ولكن باعتبار كونه لازما دائما بالإضافة إلى ممنوع عنه محروس عن المتناول.
تنبيه:
وصف المراقبة للعبد إنما يحمد إذا كانت مراقبته لربه وقلبه وذلك بأن يعلم أن الله تعالى رقيبه وشاهده في كل حال ويعلم أن نفسه عدو له وأن الشيطان عدو له وأنهما ينتهزان منه الفرص حتى يحملانه على الغفلة والمخالفة فيأخذ منهما حذره بأن يلاحظ مكانهما وتلبيسهما ومواضع انبعاثهما حتى يسد عليهما المنافذ والمجاري فهذه مراقبته.
المجيب هو الذي يقال مسألة السائلين بالإسعاف ودعاء الداعين بالإجابة وضرورة المضطرين بالكفاية بل ينعم قبل النداء ويتفضل قبل الدعاء وليس ذلك إلا لله عز وعلا فإنه يعلم حاجة المحتاجين قبل سؤالهم وقد علمها في الأزل فدبر أسباب كفاية الحاجات بخلق الأطعمة والأقوات وتيسير الأسباب والآلات الموصلة إلى جميع المهمات.
تنبيه:
العبد ينبغي أن يكون مجيبا أولا لربه تعالى فيما أمره ونهاه وفيما ندبه إليه ودعاه ثم لعباده فيما أنعم الله عز وجل عليه بالاقتدار عليه وفي إسعاف كل سائل بما يسأله إن قدر عليه وفي لطف الجواب إن عجز عنه قال الله عز وجل: {وأما السائل فلا تنهر} 93 سورة الضحى الآية 10،وقال رسول الله «لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت» وكان حضوره الدعوات وقبوله الهدايا غاية الإكرام والإيجاب منه فكم من خسيس متكبر يترفع عن قبول كل هدية ولا يتبذل في حضور كل دعوة بل يصون جاهه وكبره ولا يبالي بقلب السائل المستدعي وإن تأذى بسببه فلا حظ لمثله في معنى هذا الاسم.
الواسع مشتق من السعة والسعة تضاف مرة إلى العلم إذا اتسع وأحاط بالمعلومات الكثيرة وتضاف أخرى إلى الإحسان وبسط النعم وكيف ما قدر وعلى أي شيء نزل فالواسع المطلق هو الله سبحانه وتعالى لأنه إن نظر إلى علمه فلا ساحل لبحر معلوماته بل تنفد البحار لو كانت مدادا لكلماته وإن نظر إلى إحسانه ونعمه فلا نهاية لمقدوراته وكل سعة وإن عظمت فتنتهي إلى طرف والذي لا ينتهي إلى طرف فهو أحق باسم السعة والله سبحانه وتعالى هو الواسع المطلق لأن كل واسع بالإضافة إلى ما هو أوسع منه ضيق وكل سعة تنتهي إلى طرف فالزيادة عليه متصورة وما لا نهاية له ولا طرف فلا يتصور عليه زيادة.
تنبيه:
سعة العبد في معارفه وأخلاقه فإن كثرت علومه فهو واسع بقدر سعة علمه وإن اتسعت أخلاقه حتى لم يضيقها خوف الفقر وغيظ الحسد وغلبة الحرص وسائر الصفات فهو واسع وكل ذلك فهو إلى نهاية وإنما الواسع الحق هو الله تعالى الحكيم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم وأجل الأشياء هو الله سبحانه وقد سبق أنه لا يعرف كنه معرفته غيره فهو الحكيم الحق لأنه يعلم أجل الأشياء بأجل العلوم إذ أجل العلوم هو العلم الأزلي الدائم الذي لا يتصور زواله المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليه خفاء ولا شبهة ولا يتصف بذلك إلا علم الله سبحانه وتعالى وقد يقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعتها حكيم وكمال ذلك أيضا ليس إلا لله تعالى فهو الحكيم الحق.
تنبيه:
من عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله عز وجل لم يستحق أن يسمى حكيما لأنه لم يعرف أجل الأشياء وأفضلها والحكمة أجل العلوم وجلالة العلم بقدر جلالة المعلوم ولا أجل من الله عز وجل ومن عرف الله تعالى فهو حكيم وإن كان ضعيف الفطنة في سائر العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها إلا أن نسبة حكمة العبد إلى حكمة الله تعالى كنسبة معرفته به إلى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين ولكنه مع بعده عنه فهو أنفس المعارف وأكثرها خيرا ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
نعم من عرف الله كان كلامه مخالفا لكلام غيره فإنه قلما يتعرض للجزئيات بل يكون كلامه كليا ولا يتعرض لمصالح العاجلة بل يتعرض لما ينفع في العاقبة ولما كان ذلك أظهر عند الناس من أحوال الحكيم من معرفته بالله عز وجل ربما أطلق الناس اسم الحكمة على مثل تلك الكلمات الكلية ويقال للناطق بها حكيم.
وذلك مثل قول سيد البشر صلاة الرحمن وسلامه عليه «رأس الحكمة مخافة الله» وقوله «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله» وقوله عليه الصلاة والسلام «ما قل وكفى خيرا مما كثر وألهى» وقوله «من أصبح معا في في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» وقوله عليه أفضل الصلاة «كن ورعا تكن أعبد الناس وكن قنعا تكن أشكر الناس» وقوله «البلاء موكل بالمنطق» وقوله «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وقوله «السعيد من وعظ بغيره» وقوله «الصمت حكمة وقليل فاعله» وقوله «القناعة مال لا ينفد» وقوله «الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله» فهذه الكلمات وأمثالها تسمى حكمة وصاحبها يسمى حكيم.
الودود هو الذي يحب الخير لجميع الخلق فيحسن إليهم ويثني عليهم وهو قريب من معنى الرحيم لكن الرحمة إضافة إلى مرحوم والمرحوم هو المحتاج والمضطر وأفعال الرحيم تستدعي مرحوما ضعيفا وأفعال الودود لا تستدعي ذلك بل الإنعام على سبيل الابتداء من نتائج الود وكما أن معنى رحمته سبحانه وتعالى إرادته الخير للمرحوم وكفايته له وهو منزه عن رقة الرحمة فكذلك وده إرادته الكرامة والنعمة وإحسانه وإنعامه وهو منزه عن ميل المودة والرحمة لكن المودة والرحمة لا تراد في حق المرحوم والمودود إلا لثمرتهما وفائدتهما لا للرقة والميل فالفائدة هي لباب الرحمة والمودة وروحهما وذلك هو المتصور في حق الله سبحانه وتعالى دون ما هو مقارن لهما وغير مشروط في الإفادة.
تنبيه:
الودود من عباد الله من يريد لخلق الله كل ما يريده لنفسه وأعلى من ذلك من يؤثرهم على نفسه كمن قال منهم أريد أن أكون جسرا على النار يعبر علي الخلق ولا يتأذون بها وكمال ذلك أن لا يمنعه عن الإيثار والإحسان الغضب والحقد وما ناله من الأذى كما قال رسول الله حيث كسرت رباعيته وأدمي وجهه وضرب اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون فلم يمنعه سوء صنيعهم عن إرادته الخير لهم وكما أمر عليا رضي الله عنه حيث قال إن أردت أن تسبق المقربين فصل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك.
المجيد هو الشريف ذاته الجميل أفعاله الجزيل عطاؤه ونوله فكأن شرف الذات إذا قارنه حسن الفعال سمي مجدا وهو الماجد أيضا ولكن أحدهما أدل على المبالغة وكأنه يجمع معاني اسم الجليل والوهاب والكريم وقد سبق الكلام فيها.
الباعث هو الذي يحيي الخلق يوم النشور ويبعث من في القبور ويحصل ما في الصدور والبعث هو النشأة الآخرة ومعرفة هذا الاسم موقوفة على معرفة حقيقة البعث وذلك من أغمض المعارف وأكثر الخلق منه على توهمات مجملة وتخيلات مبهمة وغايتهم فيه تخيلهم أن الموت عدم والبعث إيجاد مبتدأ بعد عدم مثل الإيجاد الأول فظنهم أن الموت عدم غلط وظنهم أن الإيجاد الثاني مثل الإيجاد الأول غلط.
فأما ظنهم أن الموت عدم فهو باطل بل القبر إما حفرة من حفر النيران أو روضة من رياض الجنة والميت إما من السعداء وأولئك ليسوا أمواتا {بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله} 3 سورة آل عمران الآية 169 و170 وإما من الأشقياء وهم أيضا أحياء ولذلك ناداهم رسول الله في وقعة بدر وقال: «إني وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا» ثم لما قيل له كيف تنادي قوما قد جيفوا قال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم لكنهم لا يقدرون أن يجيبوا».
والمشاهدة الباطنة دلت أرباب البصائر على أن الإنسان خلق للأبد وأنه لا سبيل عليه للعدم نعم تارة يقطع تصرفه عن الجسد فيقال مات وتارة يعاد إليه فيقال أحيي وبعث أي أحيي جسده وكشف ذلك بالحقيقة مما لا يحتمله هذا الكتاب.
وأما ظنهم أن البعث ليس إيجادا ثانيا وهو مثل الإيجاد الأول فغير صحيح بل البعث إنشاء آخر لا يناسب الإنشاء الأول أصلا وللإنسان نشآت كثيرة وليست هي نشأتين فقط ولذلك قال تعالى: {وننشئكم فيما لا تعلمون} 56 سورة الواقعة الآية 61 ولذلك قال بعد خلق المضغة والعلقة وغير ذلك {ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} 23 سورة المؤمنين الآية 14 بل النطفة نشأة من التراب والعلقة نشأة من النطفة والمضغة نشأة من العلقة والروح نشأة من المضغة ولشرف نشأة الروح وجلالته وكونه أمرا ربانيا قال عند ذلك {ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} 23 سورة المؤمنون الآية 14 وقال تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} 17 سورة الإسراء الآية 85 ثم خلق الإدراكات الحسية بعد خلق أصل الروح نشأة أخرى ثم خلق التمييز الذي يظهر بعد سبع سنين نشأة أخرى ثم خلق العقل بعد خمس عشرة سنة وما يقاربها نشأة أخرى وكل نشأة طور {وقد خلقكم أطوارا} 71 سورة نوح الآية 14 ثم ظهور خاصية الولاية لمن رزق تلك الخاصية نشأة أخرى ثم ظهور خاصية النبوة بعد نشأة أخرى وهي نوع من العبث والله سبحانه وتعالى باعث الرسل كما أنه الباعث يوم النشور.
وكما أنه يعسر على ابن المهد فهم حقيقة التمييز قبل حصول التمييز ويعسر على المميز فهم حقيقة العقل وما ينكشف في طوره من العجائب قبل حصول العقل فكذلك يعسر فهم طور الولاية والنبوة في طور العقل فإن الولاية طور كمال وراء نشأة العقل كما أن العقل طور كمال وراء نشأة التمييز والتمييز طور كمال وراء نشأة الحواس وكما أن من طباع الناس إنكار ما لم يبلغوه ولم ينالوه حتى إن كل واحد ينكر ما لم يشاهده ولم يحصل له ولا يؤمن بما غاب عنه فمن طباعهم إنكار الولاية وعجائبها والنبوة وغرائبها بل من طباعهم إنكار النشأة الثانية والحياة الآخرة لأنهم لم يبلغوها بعد ولو عرض طور العقل وعالمه وما يظهر فيه من العجائب على المميز لأنكره وجحده وأحال وجوده فمن آمن بشيء مما لم يبلغه فقد آمن بالغيب وذلك هو مفتاح السعادات.
وكما أن طور العقل وإدراكاته ونشأته بعيد المناسبة عن الإدراكات التي قبله فكذلك النشأة الآخرة بل أبعد فلا ينبغي أن تقاس النشأة الآخرة بالأولى وهذه النشآت هي أطوار ذات واحدة ومراقيها التي تصعد فيها إلى درجات الكمال حتى تقرب من الحضرة التي هي منتهى كل كمال وتكون عند الله عز وجل بين رد وقبول وحجاب ووصول فإن قبل رقي إلى أعلى العليين وإلا رد إلى أسفل السافلين والمقصود أن لا مناسبة بين النشأتين إلا من حيث الاسم ومن لم يعرف النشأة والبعث لم يعرف معنى اسم الباعث وشرح ذلك يطول فلنتجاوزه.
تنبيه: